عراقجي يحذر أوروبا من استغلال آلية الزناد

طهران /11 أيار/ مايو/ إرنا- كتب وزير الخارجية الإيراني "عباس عراقجي" في مقال الى صحيفة "لوبوان" الفرنسية، "لقد أوضحت إيران بصراحة موقفها بشأن احتمال تفعيل الأوروبيين لآلية فض النزاع (الزناد)"؛ مؤكدا : نحن حذرنا رسميا جميع الموقعين على الاتفاق النووي من أن استغلال آلية الزناد ستكون له عواقب، بما في ذلك أنه لن ينهي دور أوروبا في هذا الاتفاق فحسب، وإنما سيؤدي أيضا إلى تصعيد لا يمكن احتواؤه.

وجاء في مقال "عراقجي" : إن بريطانيا وفرنسا، اللتين رسمتا الحدود الحديثة لغرب آسيا قبل نحو قرن من الزمان، عالقتان اليوم في وضع لا تحسدان عليه، مما ادى الى ابعادهما عن التطورات الدبلوماسية في المنطقة، لدرجة أن الدبلوماسيين الأوروبيين يظهرون كمراقبين منفعليين في أهم المحادثات الاقليمية الجارية، بما في ذلك المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة. والحقيقة هي أن دور أوروبا الحالي هو نتيجة لستراتيجية اختارها الاوروبيون انفسهم، ستراتيجية أضرت بالجميع.

الشركات الأوروبية التزمت بالعقوبات الأمريكية بدلاً من الوفاء بالتزامات حكوماتها

وأضاف : عندما انسحب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي من جانب واحد في عام 2018 (خلال فترة رئاسته الأولى)، فقد كان على أوروبا اتخاذ قرار حاسم في ذلك الوقت، وصرح "برونو لومير"، وزير المالية الفرنسي آنذاك، ردا على انسحاب ترامب الأحادي من الاتفاق النووي، بأن أوروبا لن تكون رهينة املاءات واشنطن.

وتابع : ولكن عمليا، لم تستطع الدول الأوروبية الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إثبات ذلك حيث أن الفوائد الاقتصادية التي كان من المفترض أن تجنيها إيران من الاتفاق النووي لم تتحقق أبدا، لأن الشركات الأوروبية قررت الالتزام بالعقوبات الأمريكية بدلا من الوفاء بالتزامات حكوماتها.

نتيجة نموذج "عدم الحسم الستراتيجي" وصلت إلى عقر البيت الأوروبي

وأردف وزير الخارجية الإيراني عبر مقاله لصحيفة لوبان الفرنسية : اليوم، وصلت نتيجة نموذج عدم الحسم الستراتيجي إلى عقر البيت الأوروبي؛ حيث دخلت واشنطن في حوار مباشر مع موسكو لوقف الحرب مع اوكرانيا، متجاهلة العواصم الأوروبية. كما نشاهد نتائج هذا التذبذب الستراتيجي في السياسة الأخيرة للدول الأوروبية الثلاث تجاه ما يسمى بـ "الية الزناد" في الاتفاق النووي، إذ أن هذه الآلية، التي صُممت كأداة أخيرة لفض النزاعات في اطار هذا الاتفاق، يستخدمها الأوروبيون الآن كأداة ضغط سياسية؛ محذرا من أن عدم التزام الترويكا الاوروبية بهذا الأمر الهام سيزيد من خطر وقوع أزمة انتشار نووي عالمية، ستؤثر بشدة على الأوروبيين أنفسهم.

إيران حذرت أوروبا بشأن آلية الزناد

وكتب "عراقجي" : لقد أوضحت إيران بصراحة موقفها بشأن احتمال استخدام الأوروبيين لآلية الزناد، مردفا : لقد حذرنا رسميا جميع الموقعين على الاتفاق النووي عام 2015 من أن استغلال آلية الزناد ستكون لها عواقب؛ بما في ذلك أنها لن تنهي دور أوروبا في هذا الاتفاق فحسب، وإنما ستؤدي أيضًا إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه.

وأكد : على الدول الأوروبية الثلاث أن تتساءل نفسها لماذا واجهت هذا المأزق؟!؛ مبينا انه "خلال فترة الإدارة الأمريكية السابقة، لعبت الدول الثلاث دور الوسيط الرئيسي في المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، وسط تعاون بناء من جانب ايران، ولكن عندما تلاشت الإرادة السياسية في واشنطن للتوصل إلى اتفاق، اوقفت الدول الأوروبية تدريجيا جهودها في هذا المجال، وبدلا من تكييف أنفسهم مع الظروف الجديدة، اتخذت موقفا تصادميا واستخدمت ذرائع مثل حقوق الإنسان وعلاقات إيران المشروعة مع روسيا، كما تخلت عن التحركات الدبلوماسية بهدف إحياء الاتفاق النووي.

في حادثة ميناء الشهيد رجائي، لم ترسل اي دولة سوى روسيا مساعداتها

وتطرق وزير الخارجية الإيراني، في مقاله، إلى سياسات الدول الأوروبية السلبية تجاه إيران؛ مبينا : هذا النهج لم يضر بعلاقات الحكومات فحسب، وانما كانت له تداعيات على صعيد التعاون الإنساني أيضا، بما في ذلك، الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي على رحلات الخطوط الجوية الإيرانية -بالاستناد إلى ادعاء تصدير صواريخ إلى روسيا، وهو ما نفاه لاحقا مسؤولون أوكرانيون رفيعو المستوى- الامر الذي حدّ بشدة من حصول إيران على الأدوية الحيوية، بما في ذلك الأدوية اللازمة لعلاج السرطان؛ واصفا السلوك الحالي للأوروبيين انه يتناقض بشكل صارخ مع السنوات السابقة.

وتابع عراقجي : في عام 2003، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة بم (جنوب ايران)، أقامت فرنسا بسرعة مستشفى ميدانيا هناك. ولكن عندما اشتعلت النيران في ميناء الشهيد رجائي بمدينة بندر عباس (في محافظة هرمزكان - جنوبي البلاد) هذا الشهر - مما هدد بتعطيل الدورة الاقتصادية لآسيا الوسطى والقوقاز- كانت روسيا وحدها التي أرسلت مساعداتها على الفور إلى إيران؛ لافتا بانه حتى رسالة تعزية من جانب الاتحاد الأوروبي وصلت بعد مرور أسبوع على هذا الحادث!

لتاريخ العلاقات الإيرانية  الأوروبية خلفية غنية

وزير الخارجية الايراني اشار في هذا المقال ايضا، بان العلاقات الهشة هذه تأتي في وقت يشهد فيه العالم فظائع بغزة وأوكرانيا؛ وهما حادثان مأسويان يفضحان المعايير المزدوجة للغرب؛ مؤكدا بان الإيرانيين يرون هذا النهج االانتقائي كغيرهم، ويتساءلون : ما هذا التناقض؟!

لكن مع ذلك، وعلى الرغم من هذه التوترات، فإن لتاريخ العلاقات بين إيران وأوروبا خلفية غنية حيث كانت الاواصر الثقافية والعلمية والاقتصادية بين الجانبين مثمرة، بما في ذلك التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا وصناعة السيارات والبيئة. وفي المجال الدبلوماسي، مما أدى الى تفاعل الأوروبيين مع إيران بشأن قضايا امتدت من أفغانستان إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.

أعلنتُ استعدادي للسفر إلى باريس وبرلين ولندن

وختم وزير الخارجية الإيراني مقاله : نظرا إلى تاريخ العلاقات الإيرانية والأوروبية، دعوتُ عدة مرات إلى استئناف حوار ذي مغزى مع أوروبا. وفي الخريف الماضي، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قدمت اقتراحا للانخراط والتعاون ليس فقط بشأن الملف النووي، ولكن أيضا بشأن جميع القضايا التي تثير قلق الطرفين، مثل أوكرانيا، لكن اصطدمت هذه التحركات الإيجابية مع جدار الصمت من أوروبا، وعلى الرغم من ذلك، انني مازلتُ ملتزما بالدبلوماسية. وبعد المشاورات الأخيرة في روسيا والصين، أعلنت استعدادي للسفر إلى باريس وبرلين ولندن بهدف بدء فصل جديد من العلاقات. وقد أدت هذه المبادرة إلى تشكيل محادثات أولية على مستوى مساعدي وزراء الخارجية؛ هذه المحادثات، وعلى الرغم من هشاشتها، إلا أنها تبعث على الأمل.

وتابع عراقجي مخاطبا الدول الأوروبية : الوقت ينفد وأن طبيعة ردودنا في هذه المرحلة الحساسة ستحدد مستقبل العلاقات بين إيران وأوروبا - وبما يتجاوز كثيرا مستوى تقديرات الكثيرين؛ مؤكدا بان إيران مستعدة لبدء فصل جديد من العلاقات، ونأمل بأن يكون شركاؤنا الأوروبيون على استعداد مماثل.

انتهى**9365 / ح ع **

اكتب تعليقك

0 تعليق